الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].ومعنى لنتعارف أي أن يكون لكل منا اسمٌ يعرف به عند الآخرين.وفي حياتنا العادية- ولله المثل الأعلى- نجد رجلا عنده أولاد كثيرون، لذلك يُطلق على كل ابن اسما ليعرفه المجتمع به، والعجيب في هذه الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. أننا نجد كلمة {شعوبا} مذكرة وكلمة {قبائل} مؤنثة. إذن فلا تمايز بالأحسن، ولكن الكلمات هنا مسميات للتعارف. والحق الأعلى يقول: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ} [العصر: 1- 3].إذن فما وضع النساء اللائي آمنّ؟ إنهن يدخلن ضمن {الَّذِينَ آمَنُواْ}. ولماذا أدخل الله المؤنث في الذكر؟ لأن المذكر هو الأصل، والمؤنث جاء منه فرعا. إذن فالمؤنث هو الذي يدخل مع المذكر في الأمور المشتركة في الجنس.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].وهذا يعني أن المؤنث عليه أن يدخل في تكليف العبودية لله.والمعنى العام يحدد أن المطلوب منه العبادة هو الإنسان كجنس. وبنوعية الذكر والأنثى. وفي الأمر الخاص بالمرأة، ويحدد الله المرأة بذاتيتها. فالحق سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أن يكون لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36].لماذا؟ إن المسألة هنا تشمل النوعين من الجنس الواحد: الرجل والمرأة، زوج وزوجة، فمثلا نجد زوجا يريد تطليق زوجته، فيأتي الحق بتفصيل يوضح ذلك. وإذا كان هناك أمر خاص بالمرأة فالحق سبحانه وتعالى يحدد الأمر فها هوذا قوله الحكيم: {يانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 32- 33].إن كل ما جاء في الآية السابقة يحدد المهام بالنسبة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فالخطاب الموجه يحدد الأمر بدقة {لستن} و{اتقيتن}، و{لا تخضعن}، و{قرن}، و{لا تبرجن}. الحديث في هذه الآية الكريمة يتعلق بالمرأة لذلك يأتي لها بضميرها مؤنثا.ولكن إذا جاء أمر يتعلق بالإنسان بوجه عام فإن الحق يأتي بالأمر شاملا للرجل والمرأة ويكون مذكرا، ولذلك فعندما قالت النساء لماذا يكون الرجل أحسن من المرأة، جاء قول الحق: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] هكذا حسم الحق الأمر.قال سبحانه تأكيدا لذلك: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124].إن الذكر والأنثى هنا يدخلان في وصف واحد هو {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} إذن فعندما يأتي الأمر في المعنى العام الذي يُطلب من الرجل والمرأة فهو يُضمر المرأة في الرجل لأنها مبنية على الستر والحجاب، مطمورة فيه. داخله معه.. فإذا قال الحق سبحانه لمريم: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} فالركوع ليس خاصا بالمرأة حتى يقول مع الراكعات ولكنه أمر عام يشمل الرجل والمرأة، لذلك جاء الأمر لمريم بأن تركع مع الراكعين. اهـ.
وقال تعالى: {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]. ويكون بالكتابة، قال زهير: [الطويل] ويطلق الوحي على الشيء المكتوب، قال: [الكامل] قيل: الوُحِيّ: جمع وَحْي- كفلس وفلوس- كُسِرَت الحاءُ إتباعًا.قال القرطبيُّ: وأصل الوحي في اللغة: إعلام في خفاءٍ.وتعريفُ الوحي بأمر خفي من إشارة، أو كتابة، أو غيرها، وبهذا التفسير يُعَدُّ الإلهامُ وَحيًا، كقوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] وقال- في الشياطين-: {لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] وقال: {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]، فلما ألقى الله- تعالى- هذه الأنباء إلى الرسول عليه السلام- بواسطة جبريل عليه السلام- بحيث يخفى ذلك على غيره- سمَّاه وحيًا. اهـ.
|